نظرية السيطرة والرضوح بين عالم الإنسان وعالم الحيوان

قراءة في الفصل الثاني عشر من كتاب علم النفس التطوري (1)

 

يقوم السلوك الحيواني على أساس ثنائية السيطرة والرضوخ (التي توافق ثنائية العبد والسيد عند هيغل)، فلا معنى للدخول في الصراع واستنزاف الإمكانيات دون غاية الارتقاء في سلم السيطرة؛ إن أول مزايا التسيد في الجماعة الحيوانية هو الوصول الجنسي، وذلك في إطار تراتب هرمي وظيفي في المجتمع الحيواني. ولا يختلف المجتمع البشري في ارتباطه بهذه الحقيقة إلا في تعقد آليات السيطرة.

للمكانة تأثير على الجهاز العصبي للحيوان مسيطرا كان أو راضخا مع، والسيطرة تكون لفرد واحد ضمن مساحة محددة وعدد محدود من أفراد النوع؛ إن الصراع لا يتوقف في عالم الحيوان إذ يتجدد كلما تهيأت الظروف لذلك، تخضع مراتب السيطرة للقوة والخوف، أما الوجاهة فتخضع للاحترام والتبعية الطوعية، تفضل الإناث الاستكانة والحيلة في خضم علاقات السيطرة، وتبرز سيطرتها في اتخاذ القرارات، وعلى هذا بنى التطوريون رؤيتهم حول استراتيجيات التفكير التي تنقسم حسبهم إما إلى السعي للاختلاف أو البحث عن الشبيه.

يؤدي النجاح أو الاخفاق في استقطاب الاهتمام الاجتماعي إما إلى الزهو وتعزيز المكانة وارتفاعها أو إلى الشعور بالخزي والغيض والحسد بما يؤدي إلى ردود أفعال سلبية تصل إلى محاولة تدمير الآخر، وتوجد آليات دخيلة على تقدير الذات تشوش على مفهوم المكانة: الغرور والتكبر والتصنع، ويختتم الفصل بين يدينا بفكرة طريفة حول أن سقوط ذوي المكانة يولد اغتباطا لدى أصحاب المكانات الدنيا ليس لكونها فرصة لافتكاك مكانته بل ليست تقع في صميم استراتيجيات الخضوع. هذا ما سنعرفه وأكثر في الملخص الموالي الذي صاغته بوضوح الباحثة مامة عائشة سعودي. (إشراف ومراجعة: د. محمد عبد النور)

 نص الملخّص:

إعداد: مامة عائشة سعودي (2)

استهل المؤلف هذا الفصل بإبراز أهمية المكانة بمختلف تسمياتها لدى الكائن البشري، وأن هذا الأخير يفضل الفناء على فقدان أو حتى تدني هذه المكانة، وأن كل فرد قادر على تقويم مكانته المستقبلية.

إن تكرار نتيجة سلوك الحيوانات في مواقف معينة يدعم ردة الفعل تلك لدى الحيوان ويكسبه مرتبة معينة في جماعته تتباين بين السيطرة والرضوخ، هذه المرتبة توافق تقييمه الذاتي لقدراته، لذلك يميل أفراد الجماعات الحيوانية إلى تجنب الصراعات التي قد تستنزف إمكانياتهم دون ارتقاء في سلم السيطرة، خاصة أن هذه السٌّلّمية متعلقة بالجماعة وليس بالفرد، فللذّكَر المسيطر عدة امتيازات تبرز في رضوخ بقية الذكور له وسهولة وصوله الجنسي لإناث جماعته، وبذلك تكون هذه المرتبية في السيطرة تعكس هرما وظيفيا لدى أي جماعة حيوانية، يرتبط هذا التراتب بالقدرة على الاستفادة من الموارد الحيوية للجماعة، وتكون السيطرة عمودية متعدية فالقمة تسيطر على باقي المستويات بالترتيب.

تظهر مرتبية السيطرة بنفس الشكل تقريبا في المجتمع البشري مع اختلاف في تعقد آليات السيطرة وآليات الحصول على مرتبة معينة والحفاظ عليها.

لدراسة السيطرة والمكانة لدى الحيوانات غير البشرية تم ملاحظة سلوك عدة حيوانات فتبين أن مرتبة السيطرة لدى بعض الحيوانات كجراد البحر لا تتسع لأكثر من ذكر مسيطر واحد في مجال حيوي معين، وتبين أن هذه المكانة لديها تأثير على الجهاز العصبي للحيوان المسيطر والراضخ من خلال وجود عصبون يستثار بالسيروتونين عند السيطرة ولا يكون كذلك في حالة تراجع المرتبة.

قد تتغير مكانة الحيوان بتغير الموقف أو المجال الحيوي وهكذا فالسيطرة والانهزام ليست دائمة لدى الفرد، ويكون ذلك جليا أكثر لدى الرئيسيات كالشمبانزي، حيث تظهر طقوسية خاصة بالسيطرة وأخرى للرضوخ، ولا يتوقف الصراع على الارتقاء في هرم السيطرة بل يتجدد كلما سمحت الظروف بذلك. من جهة أخرى لوحظ أن الذكور المسيطرين أكثر قدرة على التزاوج والانجاب من الذكور المتدني المرتبة، فالمكانة تؤثر على القدرات الجنسية لهذه الحيوانات أي للمكانة تأثير فيزيولوجي عليها.

انطلاقا من التساؤل حول سبب قبول الأفراد للمرتبات المتدنية للمكانة والآليات التي يلجؤون إليها للتفاوض حول مراتب أعلى، ومن كون الذكور أكثر قدرة على السيطرة من الإناث، فالحاجة ملحة لوجود نظريات في السيطرة والوجاهية والمكانة مفسرة لهذه التساؤلات حيث تعنى هذه النظريات بمرتبيات السيطرة من حيث الموارد وليس المهام، وكذلك تبين الطرق المثلى للوصول إلى المكانة الرفيعة، هذه الأخيرة يتم الوصول إليها من خلال السيطرة أو الوجاهة. فإن كانت مرتبيات السيطرة تخضع للقوة والخوف فمرتبيات الوجاهة تخضع للاحترام والتبعية الطوعية، ومكانة السيطرة تأتى عبر الصراع، أما مكانة الوجاهة فتأتى بالتعلم. ولم يتم الاتفاق على نظرية تفسيرية شافية لأنسب السبل لنيل المكانة تشمل كلا من السيطرة والوجاهة.

ترتكز النظرية التطورية في الفروق بين الجنسين في السعي إلى المكانة، من الفكرة أن للذكر البشري تباين واضح في قدرته التكاثرية، مقابل النساء اللواتي يتقارب مستوى نجاحهن التكاثري باختلاف مكانتهن الاجتماعية، ومنه فالمكانة لدى الذكور مرتبطة بشدة بقدرتهم للوصول الجنسي إلى النساء، فكلما نجح الذكر في توسيع حيزه الارتباطي الجنسي مع الإناث كلما ارتفعت مكانته وسيطرته وتراجعت مكانة غيره من الذكور قليلي الحظ في وصولهم إلى الإناث.

وارتفاع المكانة والسيطرة يكون نتيجة رغبة الإناث في ذكور معينين من خلال ميزات كالحماية وتوفير الموارد الحيوية، أو تكون نتيجة التعدي على الحيز الجنسي لذكور أقل مرتبة.

من خلال دراسة تاريخية على عدة حضارات بشرية في مختلف الأزمنة والأماكن من الصين إلى الأنكا إلى المصريين القدامى وغيرهم تبين أن حيز الوصول الجنسي إلى النساء لدي الرجال يتوسع بارتفاع مكانتهم، وتختلف صيغة هذا الوصول بين الزوجات والحريم والسبي والعشيقات، فقد تبين من بعد دراسات أجريت على المجتمعات الحديثة أنه رغم تغير أنماط الأنظمة الاجتماعية والعلاقات السائدة فيها إلا أن ارتفاع مكانة الرجل بقيت مرتبطة بزيادة حيز وصوله الجنسي، وهو أمر غير مثبت لدى النساء، فارتفاع مكانة المرأة ليس مرتبط بمميزاتها التكاثرية.

في محاولة لمعرفة إذا كان الرجل أكثر سعيا إلى المكانة من المرأة، أجريت دراسة على أطفال ست ثقافات من الجنسين عن السلوك العدواني والتسلطي أثناء اللعب تبين أن الأولاد أكثر عدوانية وجرأة على التنافس والسيطرة من البنات اللاتي يفضلن النزوع إلى الاستكانة والحيلة وإقامة الروابط الاجتماعية، وهذا ما بينته عالمة النفس ايليونور ماك كوبي في مراجعتها للفروق بين الجنسين.

تميل أغلب الأبحاث الواردة في هذا العنصر إلى القول بأن الرجال أكثر سعيا إلى المكانة الرفيعة والسيطرة بكل الوسائل والسبل المتاحة أكثر لديهم من النساء، ومنه فحسب النظرية التطورية فالرجال أكثر إقبالا على السيطرة الاجتماعية باختلاف ثقافاتهم من النساء وهم أكثر حظا في الحصول على المكانة الرفيعة، وهذا تصريح بكون الفارق بين الجنسين عامل مهم في ارتقاء مرتبية السيطرة والحصول على المكانة.

تميل النساء إلى التصريح بأفعال السيطرة المفيدة اجتماعيا أي الموجهة لخدمة الآخر ومصلحة الجماعة، أما الرجال فيفضلون أفعال السيطرة الأنانية المتمركزة حول المنفعة الذاتية حتى ولو كانت ضد الآخرين، وفي اختبار لعالم النفس ميغارغي للكشف عن الفارق الموجود بين الجنسين في التعبير عن السيطرة تبين وجود اختلاف، حيث ترتبط السيطرة بالمكانة بشكل واضح لذا الذكور، هذا ما لا يكون جليا لدى الإناث حيث يختلف التعبير عن السيطرة لدى المرأة فتبرز في اتخاذ القرار وليس في التمسك بالمرتبة حيث يتجلى ذلك عند المواجهة بين الجنسسين حول المكانة، وليس في حالة المواجهة مع أفراد من نفس الجنس.

قدمت عالمة النفس التطوري كامينز نظرية حول السيطرة مفادها أن سعي أفراد الرئيسيات إلى تسلق مرتبيات السيطرة والتحكم في الموارد الحيوية جعلها تطور استراتيجيات تمويهية للرضوخ والسيطرة قصد التفاوض المستمر على المكانة الرفيعة، وتعتقد كامينز أن البشر طوروا استراتيجيات معرفية حول المعايير الاجتماعية سبق ظهورها استراتيجيات التفكير، وتعزز فكرتها هذه في وجود نوعين متناقضين من التفكير الأول هو التفكير في أخلاقيات التعامل الذي يتبنى استراتيجية البحث عن الاختلاف، والثاني هو التفكير الدلالي الذي يتبنى استراتيجية البحث عن الشبيه، والتفكير الأول أسبق ظهورا من الثاني وكلاهما يظهران في سن مبكرة لدى الأطفال مما يكسبهم القدرة على التفكير حول مرتبيات القدرة المتعدية منذ سن الثالثة.

من جهة أخرى حاولت الأبحاث حول نظرية السيطرة، إثبات ارتباط التفكير البشري الاجتماعي بمرتبية السيطرة، فقد أثبتت تجربة ميالي وجود علاقة بين التذكر والمكانة، وفي تجربة أخرى تبين ارتباط احترام القواعد أو خرقها بالمكانة ومرتبيات السيطرة، كل هذا يدعم فكرة تطوير البشر لاستراتيجيات تفكير تسمح لهم بالارتقاء في هرم السيطرة أو الحفاظ على المكانة الرفيعة قصد الوصول الأوسع إلى الموارد الحيوية الموجودة.

 انطلق عالم النفس التطوري بول جيلبرت من مفهوم إمكانية استقطاب الموارد الناتج من تجارب أجريت على الحيوانات حول تقييم الحيوان الذاتي لقدراته على استقطاب الموارد وعلاقته بمكانته والسلوك الناتج عن هذا التقييم الذي يفضي أن السيطرة هنا ليست متعلقة بالحيوان بل هي وصف للعلاقة بين فردين أو أكثر.

ومنه فإسقاط هذا المفهوم على البشر حسب جيلبرت يعطي ما أسماه إمكانية استقطاب الاهتمام الاجتماعي، فيكون التنافس لدى البشر في الظفر على اهتمام الآخرين، كون زيادة الاهتمام ترفع من مكانتهم، ولكن لاحظ جيلبرت أن الاهتمام متعلق بالمنفعة التي يحصل عليها الآخرون من الفرد، غالبا ما تكون المنفعة مرتبطة بالمكانة الرفيعة، فهناك ارتباط بين مرتبيات السيطرة والمنفعة من جهة وباستقطاب الاهتمام الاجتماعي من جهة أخرى فيكون هذا الأخير بمثابة مدعم للمكانة والمرتبة.

تفرز هذه النظرية عدة فرضيات حول علاقة استقطاب الاهتمام الاجتماعي بالانفعال والمزاج، حيث يؤدي ارتفاع المرتبة إلى الزهو وارتفاع المساعدة ويعزز المزاج الإيجابي النجاح والارتفاع في المكانة. أما الانخفاض في المكانة فيؤدي إلى ظهور السلوكات السلبية من الشعور بالخزي والغيض والحسد وكلها نتاج للقلق الاجتماعي الذي يسببه رفض الآخرين واستهزائهم. ويظهر الغيض والحسد كآليات دفاع عن المكانة وتدمير الآخر الذي يهدد مكانته أو يفوقه مرتبة، وقد ينتهي فقدان المكانة بالاكتئاب. كل هذه الانفعالات هي تطور لآليات التكيف في سلمية المكانة.

يصعب تحديد الدال عن المدلول بين مؤشرات السيطرة ومسبباتها، نذكر من بين أهم هذه المحددات المؤشرات اللفظية وغير اللفظية للسيطرة، فقد لاحظ آرجيل وجود خصائص سلوكية واضحة خاصة بالأفراد المسيطرين وأخرى خاصة بالأفراد الأقل مكانة تتعلق بطريقة الوقوف واستعمال اليدين وطريقة الكلام (النبرة، الشدة، الوتيرة)، وطريقة المشي وسرعة الخطوات. وفي مقارنة بين مشية مجموعة من الرجال والنساء، تبين وجود فرق واضح بين الجنسين في ارتباط المشية بالمكانة، حيث ثبت وجود علاقة بين سرعة المشية والمكانة لدى الرجال، ونفيت العلاقة بينهما تماما لدى النساء.

من جهة أخرى يرتبط الحجم الكبير اثنوغرافيا بالقيادة والمكانة في مختلف الثقافات، وقد اكتشفت هذه الصلة تجريبيا حيث ربط مجموعة من المستجوبين: القامة الجسمية بالمكانة الرفيعة والمقام الاجتماعي العالي، وربطوا قصار القامة بالمراتب الدنيا من المكانة، وقد يأخذ طول القامة معيارا للانتقاء في بعض الوظائف مثلا.

ترتبط نسب الهرمون الذكري التستوسترون لدى الكائن الحي بمرتبية السيطرة فقد قام العلماء بعدة تجارب على الحيوانات لإثبات هذه العلاقة، ما كان صعبا إثباته لدى البشر، وبعد عدة أبحاث حول قياس نسبة الهرمون لدى أشخاص مختلفي المكانة ودراسة سلوكاتهم، وأحيانا تعريض الأفراد لمواقف مختلفة عن مكانتهم، تبين اختلال السلوك وعدم تناسب استراتيجياتهم مع هذا الموقف، وحدوث تنافر بين الفرد ومحيطة الجديد.

من جهة أخرى يرتبط ارتفاع نسبة التستوسترون مع وجود بعض الخصائص الفيزيولوجية، والسلوكية كالاندفاع والنزوع للمخاطرة والجرأة، كما تبين أن التغيير في المكانة يؤدي إلى تغير في نسبة التستوسترون سواء بالرفع أو الخفض ويظهر ذاك في تغيرات المزاج، ومنه فارتباط نسبة التستوسترون بالمزاج والانفعالات يجعلها ترتبط بالماكنة من ناحية كون ارتفاع نسبة هذا الهرمون يحفز على المخاطرة، وقد يؤدي إلى النجاح وبالتالي الارتقاء في هرم السيطرة.

لم يتمكن الباحثين من إيجاد علاقة بين نسبة التستوسترون والمكانة لدى النساء، بل كانت بعض النتائج عكسية لما أثبت عند الرجال، حيث لوحظ تدني المكانة لدى النساء عاليات التستوسترون حتى ولو بَدَون أكثر عدوانية، إلاّ أن الأخريات قيمتهن متدنية المكانة عكس تقييم هذه النساء الذاتي لمكانتهن.

ومنه فتوجد علاقة قوية بين نسبة التستوسترون وارتفاع مرتبة السيطرة والمكانة لدى الرجال.

حاول الباحثين استكشاف العلاقة بين السيروتونين كموصل عصبي والمكانة لدى الحيوان والانسان وقد استطاعوا إثبات هذه العلاقة، وأن نسبة السيروتونين تتغير بتغير المكانة وترتفع كلما ارتقينا في مرتبيات السيطرة، وبالتالي يمكن اعتبار هذه المادة الكيميائية التي يفرزها الدماغ من بين المحددات الذاتية للمكانة.

يرى المؤلف أنه لم يستطع تغطية سوى حيز صغير من محددات السيطرة، وأن الحاجة ملحة إلى نظرية شاملة تجيب عن جملة التساؤلات حول محددات المكانة عبر مختلف الثقافات والفئات البشرية (الجنس والعمر) وعن وجود تحليل سيكولوجي تطوري يسمح بالتنبؤ بالمكانة ويفسر بعض المفاهيم المتعلقة بها كالوجاهة والسمعة.

يعتبر العلماء النفس-تطوريين التقدير الذاتي من الآليات النفسية الانفعالية الشديدة الارتباط بالمكانة فبعد عدة أبحاث حول القياس الاجتماعي تبين أن الفرد يتعقب المكانة من خلال تقديره الذاتي لقبول الآخرين له، فكلما زاد اندماجه في جماعة ما كلما تحسن تقديره لذاته، وبالتالي فهو يسعى دوما لكسب احترام وتقدير الآخرين، ما سيحسن من سمعته ويكسبه وجاهة أوسع وبالتالي المكانة الرفيعة، وفي حالة المكانة المتدنية يسعى الفرد إلى تطوير آليات نفسية نابعة من تقديره لذاته تسعى إلى فرض احترامه على الآخرين وتحسين علاقاته بالجماعة والولوج أكثر ضمنها.

من جهة أخرى فعلاقة التقدير الذاتي بمرغوبية المرء في سوق الاقتران تبين أنها متباينة بين الجنسين حيث يرتبط التقدير الذاتي للمرغوبية بالاقتران لدى الرجل بالمكانة والسيطرة، والعكس بالنسبة للنساء اللاتي يتأثر تقديرهن الذاتي للمرغوبية بالاقتران بجاذبية الفيزيولوجية للأخريات.

تبقى هناك آليات دخيلة على التقدير الذاتي قد تؤدي دورا مشوشا على المكانة كالغرور والتكبر والتصنع.

بعد النظر في مرتبيات السيطرة والمكانة ومحدداتها حاول الباحث التطرق إلى المشكلات التكيفية التي يطرحها تدني المكانة من خلال عرض لبعض اسراتيجيات الخضوع. بداية بيّن علاقة الفروق بين الجنسين في اختيار استراتيجية الرضوخ، حيث أثبتت الدراسات وجود فروقات بين الجنسين في التفاوض مع أشخاص مرتفعي المكانة، فالنساء مثالا يلجأن إلى السلوكات التي تثير الدافع الجنسي لدى الرجل رفيع المكانة، ويلجأ الرجال إلى تكتيكات مختلفة.

ثانيا تناول الرضا والتسليم كاستراتيجية للرضوخ، حيث يلجا الأفراد إلى التكيف مع وضعيات غير ملائمة لمواردهم وقدراتهم حين يكونون تحت سيطرة قوية، ينتج هذا التكيف من قناعة ذاتية تجنبا لفقدان موارد حيوية مهمة أو ترقبا لفرصة للانفلات من السيطرة.

بعد ذلك تطرق المؤلف إلى استراتيجية سقوط المحظوظين أو سقوط الأشخاص بارزي النجاح والشهرة، تختلف ردة فعل الآخرين خاصة متدنيي المرتبة اتجاه سقوط فرد محظوظ باختلاف الثقافات، فقد يشعرون بالفرح لذلك أو يتشفون فيه أو يشعروا براحة اعتقادا منهم أن ذلك الشخص المحظوظ قد شغل مكانة لا يستحقها أو حاز على موارد كانت لتكون لهم، أو غيرة، ورغم أن هذا السقوط قد لا يؤدي غالبا إلى تغيير مرتبة السيطرة للآخر فيبقى هذا الانفعال آلية تكيفية لدى الرتب الدنيا. وهكذا يكون تحفيز سقوط الأعلى مكانة والفرح لذلك من استراتيجيات الخضوع.

أسفرت الأبحاث أن السلوك الرضوخي متعلق إما بالخوف من إلحاق الأذى بالذات أو بالآخر، وهكذا فقد طور البشر العديد من الاستراتيجيات الرضوخية تتراوح بين الابتعاد من الشخص المسيطر، الهروب توسل المساعدة، وغيرها، ولكن الفرد سيختار دائما الاستراتيجية التي تسمح له بالانضمام مجددا للجماعة وتجنبه العار والطرد.

نظرا لأهمية المكانة والسيطرة كوسيلة للوصول إلى الموارد الحيوية والبقاء فإن كلا من الحيوان والانسان يسعون إلى تطوير آليات فيزيولوجية وانفعالية ومعرفية واجتماعية بالنسبة للرئيسيات والبشر، قصد ارتقاء هرم السيطرة والحياز على الوجاهة والمكانة الرفيعة، وقد تناول هذا الفصل مختلف هذه الآليات والاستراتيجيات والنظريات التي تناولت السيطرة ومحدداتها وكذا استراتيجيات الرضوخ.

——————————

هوامش:

  • – دافيد باس، علم النفس التطوري العلم الجديد للعقل، ترجمة: مصطفى حجازي، ط2، أبو ظبي (الإمارات العربية المتحدة): كلمة، 2009.

العنوان الأصلي للكتاب: (Evolutionary psychology : The new Science of the Mind)

عنوان الفصل الثاني عشر بعنوان: المكانة والوجاهة والسيطرة الاجتماعية (من ص 683 إلى ص731)

(2) – ماستر في علم الاجتماع من جامعة الجزائر

– نص هذا الملخّص من مخرجات “منتدى مسالك المعرفة” الذي يعنى بمتابعة التطورات الحاصلة على مستوى الفكر العلمي الإنساني، بالتعريف بها ونشرها أولا ثم محاولة استثمارها داخل المنظومة الثقافية والحضارية وطنيا وإقليميا وكونيا. المنتدى تحت إشراف الدكتور محمد عبد النور.

داخل مسالك المعرفة
أبريل 2025
د ن ث أرب خ ج س
 12345
6789101112
13141516171819
20212223242526
27282930  

الأرشيف

إحصائيات الموقع

167176
اليوم : 58
الأمس : 117
هذا الشهر : 4352
هذا العام : 15888
مشاهدات اليوم : 238
مجموع المشاهدات : 506392
المتواجدون الآن : 3