حاوره محمد بوشيخي لمجلة ذوات الإلكترونية
لازال سؤال التراث والحداثة يشكل المركب المركزي في الأعمال الفكرية العربية، فالتراث بثقله والحداثة بإغراءاتها يمثلان محوري الاستقطاب للعقل العربي المعاصر. مما أحدث شرخا أبستمولوجيا في الوعي العربي لدى رجل النخبة كما هو لدى رجل الشارع سواء بسواء، ومن أجل رصد واقع الثقافة العربية ومحاولة استشراف مستقبلها في ضوء المحفزات الجوانية والتحولات العالمية، ارتأى موقع ذوات فتح حوار مع الباحث الجزائري المهتم بالفكر الإسلامي الدكتور محمد عبد النور في بعض جوانب الموضوع.
حيث فسر الباحث الهوة الفاصلة بيننا وبين الغرب بأنها “هوة تاريخية اجتماعية” تستند “على معطى موضوعي هو الزمن”، في حين يبقى “العقل الغربي”، حسب تعبيره، مجرد “تجل جزئي ضمن منظومته الاجتماعية الكبرى”. ويضيف الباحث الجزائري، في الحوار ذاته، أن تأثير المحاولات المعرفية -التي شهدتها الثقافة العربية عبر مشاريع فكرية كبرى- “في تفكيك النص الديني أو تقديم أفهام وتأويلات جديدة له لن يكون إلا على سبيل العفوية والصدفة”، مستحضرا في السياق ذاته “المفارقة الحاصلة اليوم في المعطى المؤسسي الذي انشطر إلى مؤسسات أكاديمية بمناهج حديثة ومؤسسة دينية حائرة بين التراثي والحداثي لا تعرف كيف تتعامل مع الأمر”.
1- ما يميز إنتاج الفكر العربي الحديث والمعاصر هو تلك الشروخ البنيوية بين الأصيل والمعاصر، التراثي والحداثي، المحلي والوارد… فهل من شأن هذه الشروخ توليد حركية داخلية تثير السؤال، وتستفز الوعي من أجل مستقبل فكري زاهر كما كان يرى برهان غليون؟ أم أنها بالأحرى مؤشر على اجترار الإشكاليات الفكرية في ثقافتنا وعدم قدرة العقل العربي على الانفلات من قيود الماضي؟
أولا لابد من تحديد وجهة الفكر ، وقبل ذلك تحديد الغاية من الممارسة الفكرية ذاتها، ذلك أنها تستند إلى “نماذج أصلية” قديمة التكوين قدم الإنسان ومنشئه الثقافي، فقبل أن يكون الفكر آلية إرادية وغائية، إنما هو حركية ذاتية مستقلة تحصل داخل الجسد الاجتماعي لأية أمّة، ليس للإرادة البشرية مجال للتحكم في مساره العفوي، ذلك أن قوى تاريخية وميتاتاريخية متوارية عن الأنظار توجهه كيفما شاءت، والمحصّلة أن الفكر قدرة على التحديد والرصد، أعني وعيا بالحاصل من ظواهر الطبيعة والمجتمع.
وأتصور أن هذا الإدراك سيختصر الطريق كثيرا أمامنا، ذلك أنه يوجهنا صوب المهمة الإرادية الجوهرية التي على المفكر القيام بها، وهي الاشتغال بتحصيل الوعي بـ”النماذج الأصلية” الأولية المتحكمة في مسارات الفكر، في ذات الوقت الذي ينحو فيه إلى تحصيل الوعي بالعالم الطبيعي والاجتماعي وصولا إلى القوانين الأساسية المتحكمة في مصائر الناس.
وبعد تحقيق ذلك، ينفتح الإمكان أمام المفكر لمحاولة “التدخل” لتوجيه الوقائع التاريخية بذلك الزاد المحصل، حيث يكون تدخلا يتماهى مع النماذج الأصلية والعلل المتحكمة في العمق الاجتماعي الطبيعي، فهذا شغل تأسيسي ضروري لعلاج الإشكال المتعلق بالشروخ البنيوية واجترار الإشكاليات، لكن للأسف يبدو أن آثار الصدمة الثقافية التي نتجت بالاحتكاك مع الآخر ،ما زالت تفعل فعلها، لأننا نسعى للمرور مباشرة إلى النتائج دون تحصيل المقدمات.
ذلك أن الوعي بهذه المبادئ سيكون علاجا يقضي على جوهر الأزمة الفكرية وليس على مجرد عَرَض من أعراضها من قبيل تلك الثنائيات الواردة في السؤال، ذلك أن الأصيل قد يكون معاصرا، كما يمكن أن يكون الحداثي تراثا، فضلا عن أن المحلي قد يتضمن الكوني.
لذلك، فإنه يمكن قراءة عدم القدرة على الانفلات من القيود من زاويتين، الأولى تتعلق بما يرتبط بالصدمة الثقافية التي ما يزال المسلمون يعيشون على آثارها، وتتمثل تلك الصدمة في الانفتاح المفاجئ على الفارق التاريخي الحضاري بين غرب وشرق، هذا الانكشاف/الاكتشاف أدى إلى ردود فعل ميزته الأساسية محاولة التخلص من عقدة الآخر المتفوق المهيمن بسبقه التاريخي على مقدّرات الأمة بواسطة العامل الاستعماري، الثانية هي تحصيل “جملة وعي” تستوعب المعطى المعرفي الغربي كما هو ودون تسرع يقوم على نقل نتائج الفكر دون تحصيل الفكر ذاته بل روح الفكر أصلا، متجاوزة لإشكالية الأنا والآخر دون إعادة إنتاجها ولو بصورة متخفية، ذلك أن أهم ما وجب التأكيد عليه هنا أن يكون الانفلات بنيويا من شرنقة الصدمة التي لا نرى استقلالا فكريا إلا بالارتباط بها، فيكون العمل على فك الارتباط البنيوي من خلال توظيف منحة الزمن الذي ما فتئت هوته تتوسع مع الماضي وتكتمل الصورة في الوعي.
2- إذا كانت مظاهر الأزمة الثقافية في العالم العربي بادية في الهوة الفاصلة بينها وبين منتجات العقل الغربي، أي على مستوى العلاقة بين الأصالة والمعاصرة، فأي مستقبل يمكن التكهن به للفكر العربي في سياق العولمة التي تزيد من هيمنة الغرب ثقافيا وتوطد مركزيته على حساب الثقافات المحلية، ومنها العربية، بصفتها جزءا من المحيط والهامش؟
الهوة ليست مع عقل غربي بقدر ما هي هوة تاريخية اجتماعية أولا قائمة على معطى موضوعي هو الزمن، العقل الغربي ما هو إلا تجل جزئي ضمن منظومته الاجتماعية الكبرى تأسست على الانتماء الثقافي والعقائدي، ومن ثم ظهر العقل في المنظومة الغربية، واحتل مركز السيادة كنتيجة لكل ما حصل من تطورات تاريخية؛ وهنا نصل إلى حقيقة تخالف السائد القائل بأن النهوض الغربي قام على أسس العقل، بينما الواقع هو أن العوامل التاريخية والدورات الحضارية كانت العامل الأول في تحقيق النهوض.
في هذه النقطة بالذات، يبرز سؤال الغاية من الممارسة الفكرية التي تطابق معنى العقل ودوره وحجمه في المنظومة الغربية، يشير غوستاف لوبون إلى أن تأثير الفلاسفة والعلماء في مسيرة النهوض الأوروبي لم يحصل إلا بعد استعانتهم بمن يقوم بتبسيط أفكارهم وترويجها بين الجمهور من الأدباء والفنانين، وذلك يعني أن تتحول الأفكار من الصيغة المنطقية والعقلية الصارمة إلى صور ورموز هي إلى عاطفة الجمهور واستيعابه أقرب.
والخلاصة تكمن في أن الغاية من الممارسة الفكرية تجلت في محاولة تحريك الواقع والدفع به إلى تحقيق النهوض، فكانت نقطة نهاية الفيلسوف والعالم هي ذاتها نقطة بداية الأديب والفنان ومنه إلى التنفيذ الاجتماعي والسياسي لما سيصبح رغبة جماهيرية عازمة وعارمة؛ وفي هذا حدّ صارم لكل محاولة للمفكر في تجاوز حيز اشتغاله الذي تقدّم أنه ترسيم المنهج بوعي النماذج الأصلية لجذوره الثقافية، وكذا تفهم العالم وإدراكه كما هو.
هنا يعي الفكر تماما أنه جزء من منظومة ثقافية وعقائدية كبرى تنتظر منه دورا محوريا في ترسيم خطاطات لبناء المستقبل، يكون عقلها المدبّر لشؤونها الروحية، فيقوم بتحديد الحاجات الأساسية لذلك المستقبل، ذلك ما يضمنه الإدراك الصحيح للعالم الاجتماعي التاريخي الذي هو بدوره جزء من التركيبة الشاملة للكون.
في هذا المستوى تحديدا تغيب إشكالات الذات والآخر ، وتصبح مجرد مفارقة من مفارقات العقل ذاته، وذلك عندما يترقى الجهد العقلاني إلى كونه جهدا روحيا في تجاوز العوائق الحائلة دون إدراك الذات لذاتها، والذات هنا كيان ثقافي عقائدي مفتوح ما يفتأ يتوسع ضمن خطاطة فكرية تجمع إليها العوالم الممكنة يسعى من خلالها لبسط قدرته التي تظهر بمثابة الكائن المخلّص للأدواء الإنسانية الراهنة.
فبخصوص العولمة، وإحالة إلى أبي يعرب المرزوقي الذي يعتبرها مجرد مرض عربي-أوروبي، فإن الكلام يجوز هنا عن خصوصية العولمة الراهنة، ذلك أن لكل زمن تاريخي-اجتماعي كونيته الخاصة (باعتبارها اللفظ الأصح البديل عن العولمة)، وتعبير الكوكبية هنا ربما أجزل في الإشارة إلى خصوصية الكونية الراهنة، باعتبارها شاملة للبشر وعابرة للثقافات، وكذا بالاستعانة بحديث السفينة المشهور عن النبي والجزم بأن غرقها غرق للجميع ونجاتها نجاة للجميع أيضا.
ومن ثم، فتصوري أن المستقبل الفكري العربي وبمعية الثقافات الإسلامية المستندة إلى المشرب النموذجي الأصلي الموحد فضلا عن الإدراك الصحيح للواقع المشترك، هو ليس مستقبلا خاصا بالعرب ولا بالمسلمين وإنما هو مستقبل البشرية فكرا وواقعا، وأن السير بخلاف هذا الاتجاه سيؤدي حتما إلى تشظيات كبرى هو ما نراه سائدا اليوم، إلا أن الحركة التاريخية في التوائها وتعريجاتها قد تخفي مفاجآت في مسار النهر ستؤدي في النهاية تلاقي المجاري يوما ما لإعادة تأسيس الأساطير الكبرى التي يتطلبها استئناف التاريخ البشري، ذلك أن ذروة التشظي هو نذير نهاية المراحل التاريخية الكبرى وبشير بدايات مراحل أخرى مختلفا نوعيا.
3- قدم عدد من المفكرين العرب من قبيل محمد أركون، عابد الجابري، عبد الله العروي، أبو القاسم حاج حمد، نصر حامد أبو زيد… رؤى نقدية تتفاوت في جرأتها للموروث الثقافي العربي، لكنها رؤى تحمل أيضا تباينا في المنهج والوجهة، فهل هذا التباين يعبر عن تكامل فيما بينها؟ أم أنه يعكس الاختلاف في تشخيص أزمة الثقافة العربية وبالتالي تبديد مجهودات في أعمال ذهنية لا غير؟
أولا، لابد من أن تُدرج تلك المساهمات في سياقها التاريخي، حتى يمكن قراءتها القراءة السليمة دون إفراط ولا تفريط في تقدير حقيقتها أولا وأثرها ثانيا، ذلك أن جيلا جديدا ظهر ويظهر بعدها متأثرا بها بالسلب والإيجاب، بالقطيعة والاستمرار، وثانيا وهذا الأهم أن المساهمات المذكورة تأتي كلحظة بسيطة في سياق التاريخ الفكري العربي-الإسلامي الذي يعج بالإنتاج الفكري المكوّن لعمقنا الثقافي الذي ينتج كل الظواهر الفكرية والواقعية الحاضرة أمامنا راهنا، والتي من الخطأ عد أنفسنا خارج سياقها…
ولما نعي أن أية محاولة فكرية، إنما هي نقطة في بحر التراكم الفكري نفهم أن الأمر متعلق بتدافع متعال الطّابع على مقتحمه، إن أراد الفاعلية الانضباط مع أنغامه المتعالية أولا، ومن ثم محاولة التأثير عن طريق “أثر الفراشة” التي هي المهمة التاريخية الممكنة لمفكر اليوم في زمن أصبحت فيه الآلية الحداثية-الرأسمالية مصدر يأس للمفكر في التأثير على الوقائع.
بالنسبة إلى المشروعات المذكورة أكتفي بوصف اثنين منها، وذلك لاطلاعي على بعض مما جاءا به وأعني أركون والحاج حمد، فأما أركون فواضح أن أعماله اختصت بتفكيك التراث الإسلامي بغرض تسويته بالموروث المسيحي إبان عصر النهضة الأوروبي، وذلك في رأيي يخالف فكرة علاج الشيء بشيء من جنسه فضلا عن تعارض محاولاته مع فكرة أصول المنشأ الثقافي، فالمطلوب فعلا هو علاج التراث الإسلامي بذات المنطق الإسلامي نفسه، ومشروع “الإسلاميات التطبيقية” هو تعبير عن تلك المحاولة التي ترد أحيانا تحت عنوان أنسنة التراث الإسلامي.
أما محاولات الحاج حمد، فتأسست على روية متدينة للعالم –بعكس أركون- جاءت في صيغة محاكمة الموروث الإسلامي الأقل وثوقا (السنة النبوية) بالأكثر وثوقا (القرآن) من جهة، وحاول من جهة أخرى تبرير التشريعات الحديثة وتأصيلها من النص الإسلامي، وقد جاء ذلك في عنوانين رئيسيين هما: “المنهجية المعرفية في القرآن الكريم” و “العالمية الإسلامية الثانية” تعبيرا عن المسعيين على التوالي.
وبغض النظر عن الأحكام التي يمكن أن تقرر النوايا “السياسية” للمشروعات الفكرية المذكورة، فإن السمة الغالبة عليها هو اتجاهها النظري في مجال التراث، أي أنها عاملت الوحي، باعتباره قابلا للعلاج العقلي والتأملي، خلافا مثلا لمقولة محمد إقبال بأن القرآن كتاب عمل قبل أن يكون كتاب رأي.
ولعل المنحى المعرفي في تناول التراث جاء كرد فعل على “النضالية” و “الدعوية” الإسلامية السياسية التي سادت في مرحلة سابقة، وأنها فتحت سبلا جديدة لتجديد التراث كما كان مشروع “طه عبدالرحمن” الذي بدا هنا أكثر نزوعا نحو إضفاء العبارة والمنطق الجديدين على التراث دون محاولة تفكيكه، وذلك في النهاية تعبير عن فسيفسائية ثقافية داخل تلك المشروعات التي قد يبدو أنه من المبكر الحكم على صوابيتها، بينما قد أثبتت تأثيرا لا غبار عليه، بينما سيتكفل مجرى الزمن بترسيخ النافع منها ومراكمته للحظة التاريخية المناسبة التي ستسخر الجميع نحو خدمة مشروع عملي موحّد ينهي حالة الشتات.
4- ترد فكرة “الإصلاح الديني” في شتى المشاريع الفكرية العربية بعبارات وصيغ مختلفة، بل تصدر حتى عن أطراف محسوبة على التيار الإسلامي في كنف عناوين: فقه المقاصد، الجمع بين القراءتين، الدولة المدنية…، فهل يبشر هذا بتحولات ثقافية على شاكلة ما حصل في أوربا بعد سقوط سلطة الكنيسة؟ أم أن الاختلاف الثقافي سيقود إلى نموذج مخالف لموقع الدين ووظيفته في الدولة الحديثة؟
أصل فكرة الإصلاح الديني جهد عملي يقوم به رجال ينتمون إلى ذات الفكر الديني المزمع إصلاحه، طبعا يكون أساسه فكري محض لكنه ينشغل أساسا بتحقيق تغيرات فعلية في الواقع الديني الغرض منه تحرير الناس من التبعية غير السليمة للناس للمؤسسة الدينية ومن يمثلها، فقد تأسس الإصلاح البروتستانتي على إثبات أن العلاقة بين الفرد والإله علاقة مباشرة لا تحتاج إلى وساطة رجال الكنيسة، وتلك هي الفكرة البسيطة التي كانت محور كل الإصلاح الديني، بل وحتى الإصلاح الديني الذي حصل في العالم الإسلامي خلال القرنين الأخيرين كان على ذات الأساس: تحرير الناس مما علق بالدين بسبب توظيفاته السيئة من طرف المؤسسات الدينية على امتداد العالم الإسلامي.
وعلى ذلك، كان الإصلاح حاجة مضاعفة: أولا داخلية يتطلبها الدين ذاته بعد التحريف الذي يطاله، والثانية خارجية، وهي حالة الانحطاط الاجتماعي السياسي الذي يرافق هذا التحريف. وعلى هذا الأساس، فإن الإصلاح الديني غالبا مع يتوافق مع إصلاح هيكلي عام يطال المجتمع والسياسة والاقتصاد وكل القضايا الحيوية من أجل تحريك العجلة الحضارية الراكدة، ونلاحظ الأمر ذاته حتى في ظهور الرسالة الإسلامية مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ذلك أن الدعوة إلى التوحيد ونبذ الآلهة والأصنام ارتبط عضويا بالهيكل السياسي الاجتماعي للمجتمع القرشي. وهنا لابد من الإشارة إلى أن وحدة مشهد الإصلاح الديني في التاريخ هي من وحدة شكلية فحسب. أما التفاصيل، فأعتقد أن أهم الميزات التي تميز الإصلاح داخل المجال الإسلامي هو محفوظية النصية، وهي الضمانة الواردة في النص ذاته، ومن ثم كان على من يحاول قراءة النص الديني أن يتقمص الإيمان به حتى ولو لم يؤمن به خارج البحث في النص.
كما أن تأثير المحاولات المعرفية في تفكيك النص الديني أو تقديم أفهام وتأويلات جديدة له، لن يكون إلا على سبيل العفوية والصدفة، من مثل تأثير الكتابات التي تعنى بالفكر الديني على القائمين على الشأن الديني من خطباء ووعاظ ومعلّمي الدين وغيرهم، وهنا تحضرني فكرة شريعتي عن أن المساجد يمكن أن تكون أفضل مجال لتجديد الدين وتحريك فواعله، وهنا نصل إلى المفارقة الحاصلة اليوم في المعطى المؤسسي الذي انشطر إلى مؤسسات أكاديمية بمناهج حديثة ومؤسسة دينية حائرة بين التراثي والحداثي لا تعرف كيف تتعامل مع الأمر.
المحصلة أنه من المبكر الحكم على الأثر الذي يمكن أن تحدثه المحاولات المذكورة في السؤال، ما دامت المؤسسة الدينية لم تأخذ مكانها المطلوب فضلا عن ارتهانها التام بالسياسي والاجتماعي، وذلك جوهر الأزمة الدينية الحاصلة عندنا، فهي إما تهميش للمؤسسة الدينية أو ربطها قسرا بالسياسي، ومن ثم كان التحرير المنتظر هو إعطاء المساحة الكاملة للعمل الديني أولا قبل انتظار الآثار الفكرية، وإن كان ذلك في نظري لحظة ضرورية، أعني أن يبدأ الإصلاح الديني نظريا من خارج أسوار المؤسسة الدينية، ثم بعد ذلك سيحصل التلقي والفرز وتظهر نتائجه بعد تحرير المؤسسة الدينية من الارتهان بالاجتماعي والسياسي، أي بعد أن تمتلك المؤسسة الدينية زمام مبادرتها.
نشر لأول مرة في موقع ذوات بتاريخ 2015/09/12
http://thewhatnews.net/post-page.php?post_alias=%D8%B9%D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%88%D8%B1__%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%88%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%B5%D9%84%D8%A9_%D8%A8%D9%8A%D9%86%D9%86%D8%A7_%D9%88%D8%A8%D9%8A%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8_%D9%87%D9%88%D8%A9_%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9&category_alias=%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA