قراءة نقدية للأستاذ محمد شاويش في كتابنا "حاشية على روح الجماهير"
كتاب غوستاف لوبون (1841 -1931) "علم نفس الجموع" Psychologie des foules الذي صدر عام 1895 كان له تأثير بالغ عند مفكرين أوروبيين كثيرين من أشهرهم مؤسس مدرسة التحليل النفسي سيغموند فرويد (1856-1939)، ومنظّر علم الاجتماع الألماني الكبير ماكس فيبر (1864-1920).
ينطلق الكتاب من منظور شديد السلبية للجموع، وفي الكتاب الذي نعرضه الآن يكتب السوسيولوجي الجزائري الذي يدرّس في جامعة غرداية محمد عبد النور "حاشية" عليه، وقد صدر الكتاب عن "الدار المتوسطية للنشر" -تونس -2014، وهو يتألف من 154 صفحة.
الجزء الأول:
يتعاطف المؤلف مع الاتجاه المشكّك بدور العقل في التاريخ عموماً وفي حركة الجموع خصوصاً، وهو يعلن ذلك في مقدمة الكتاب: "ليس الكتاب كتاب منطق، بل المنطق ضرب من التكلف غير المجدي" (ص5)
ويرى المؤلف أنه لا المجتمعات الغربية قامت على العقل ولا المجتمعات الشرقية بمستطاعها النهوض برفع شعار العقل (ص5). والكتاب استعراض لآراء لوبون وتعليق عليها، وليس من الواضح دائماً متى ينتهي رأي لوبون ويبدأ رأي المؤلف!
يرى لوبون أن عواطف الجمهور لها صفتان: التضخيم والتبسيط، وأن الجماهير متعصبة ولكن لها نزعة محافظة فهي تتأرجح بين طبعين متطرفين هما الانتقال من العبودية إلى الفوضى ومن الفوضى إلى العبودية (ص28). إن الجماهير تغيّر أسماء مؤسساتها عن طريق ثورات عنيفة، ولكنها تبقي في عمق هذه المؤسسات على مضامين تعبر عن حاجياتها الوراثية المرتبطة بالعرق.
عواطف الجمهور لها صفتان: التضخيم والتبسيط، وأن الجماهير متعصبة ولكن لها نزعة محافظة فهي تتأرجح بين طبعين متطرفين هما الانتقال من العبودية إلى الفوضى ومن الفوضى إلى العبودية. إن الجماهير تغيّر أسماء مؤسساتها عن طريق ثورات عنيفة، ولكنها تبقي في عمق هذه المؤسسات على مضامين تعبر عن حاجياتها الوراثية المرتبطة بالعرق. لوبون
ليس مصطلح "العرق" من المصطلحات المحببة الآن في الغرب، لكننا ننسى أن النظرية العرقية كانت سائدة في أوروبا طيلة القرن التاسع عشر، وكان للفرنسيين منها نصيب وافر، بل واحد من أهم منظريها كان الفرنسي جوزيف غوبينو (1816 -1882)، وقد امتدت النظرية لتشمل حقولاً مثل النقد الأدبي كما هي عند هيبوليت تين (1828-1893) علاوة على تأثيرها المعروف في المستشرقين ومنهم أرنست رينان (1823 -1892)
ومن الطريف أن نعرف أن هذه الآراء العنصرية التبخيسية بحق العرب و"الساميين" لم تلق مقاومة من قبل كتاب ونقاد "العصر اللبرالي" بل تم استيرادها والأخذ بها على أنها "آخر مكتشفات العلم" (وتجد آثارها عند العقاد والمازني وأحمد أمين وحتى الرافعي لم ينج من تأثيرها!). ومن المؤسف أننا الآن أيضاً لا نجد أن مؤلف الكتاب الذي نعرضه يبدي أي حساسية تذكر تجاهها! عن أفكار الجماهير يرى لوبون أنها تنقسم إلى نوعين: أفكار طارئة عابرة مثل الانبهار بفرد أو عقيدة ما وأفكار ثابتة عميقة مثل الأفكار الدينية والسياسية، ولا يمكن للأفكار التي يوحى بها إلى الجماهير أن تصبح ذات أثر فاعل إلا إذا اتخذت شكلاً بسيطاً بحيث لا ترتبط بدليل منطقي وإنما تتجسد على هيئة صور.
يرى لوبون أن أفكار الجماهير تنقسم إلى نوعين: أفكار طارئة عابرة مثل الانبهار بفرد أو عقيدة ما وأفكار ثابتة عميقة مثل الأفكار الدينية والسياسية، ولا يمكن للأفكار التي يوحى بها إلى الجماهير أن تصبح ذات أثر فاعل إلا إذا اتخذت شكلاً بسيطاً بحيث لا ترتبط بدليل منطقي وإنما تتجسد على هيئة صور.
يضرب لوبون مثل الهنود الذين تعلموا في الجامعات الأوروبية ونالوا الشهادات العلمية ولكن الأفكار التي تعلّموها ظلت على سطح المخزون الثابت لأفكارهم الدينية والاجتماعية الموروثة دون تغيير. والمؤلف يؤكد رأي لوبون ويعممه: "والمؤكد أن هذا المثال ينطبق دون تحفظ على الطلبة المسلمين الذين يتلقون تعليمهم في الدول الغربية، إذ وبعد عودتهم لا يكون ما تعلموه إلا سطحياً بالنسبة لتكوينهم العرقي والثقافي مهما بدا من تعصبهم لأفكار الحداثة والتقدم التي يظنون أنهم قد تغيروا بها إلى الأبد" (ص33)
ويقيس المؤلف على ذلك المجتمعات الحضرية التي تكاد تنعدم فيها المظاهر التراثية للثقافة والعمران الأهليين وتكتسحها مظاهر الحياة والمؤسسات الحديثة، ولكن الأمر لا يتعلق إلا بالسطوح الظاهرية لتلك المجتمعات".
ولكي تترسخ الأفكار فإنه يلزم وقت طويل ولا يقل عنه طولاً الوقت اللازم لتخرج الأفكار منها! (ص35). ولذلك "الجماهير متأخرة عن العلماء والفلاسفة بعدة أجيال"! (ص35). هذه الحقيقة المرة بالنسبة للمفكرين تدفعهم إلى التنازل كثيراً عن منطقهم العقلي الصارم كي يحققوا التعايش مع مجتمعاتهم، فهي حقيقة تفصم شخصياتهم إلى شطرين، وهم لا يحققون التأثير المطلوب لأفكارهم إلا من خلال بسطها في مستوى مدارك الجمهور وعواطفه، حتى يمكن إنفاذ جزء ولو يسير منها حتى يتقبلها الجمهور ويتبناها لا كأفكار تحمل براهين منطقية ولكن كعواطف راسخة تصنع تصوراتهم وترسم سلوكهم (ص36)
يزعم لوبون أن لمنطق الجماهير خاصتين أساسيتين: أ- الربط بين الأشياء المتنافرة التي ليس بينها إلا علاقات سطحية. ب- القيام بالتعميم المباشر للحالات الفردية دونما استقصاء. والخطباء يستعملون هذه الخاصية في التلاعب بالجماهير عبر الربط السطحي بين الأشياء.
إن لم تحدث البرهنة المنطقية والعقلية أثراً فورياً على الجماهير فما طبيعة البرهنة والحجج التي تؤثر عليها إذن؟
يرى لوبون أن صلة محاججة الجماهير بالمنطق ليست إلا ظاهرية، على طريقة الأسكيمو الذين يستنتجون من ذوبان الجليد بالفم أن الزجاج الشفاف سيذوب فيه أيضاً ويشبه التعميم الذي يطلقه العامل على جميع أرباب العمل عندما يستغله رب عمله (ص37). وتستطيع أن ترى في هذه التعميمات أن لوبون منحاز عنصرياً وطبقياً! لكن المؤلف لا يبدي نقداً لهذا الانحياز.
يزعم لوبون أن لمنطق الجماهير خاصتين أساسيتين: أ- الربط بين الأشياء المتنافرة التي ليس بينها إلا علاقات سطحية. ب- القيام بالتعميم المباشر للحالات الفردية دونما استقصاء. والخطباء يستعملون هذه الخاصية في التلاعب بالجماهير عبر الربط السطحي بين الأشياء.
وعن خيال الجماهير وتصوراتها يرى لوبون أن المسرحيات والسينما والإعلام تقدم النموذج الأوضح لضخامة التأثير الذي تقوم به الصورة على الجماهير، وحين هلك خمسة آلاف شخص في بضعة أسابيع في فرنسا بالإنفلونزا لم يؤثر ذلك لأن هذا لم يتجسد على شكل صورة، على حين أثّر عميقاً في الجماهير عبر قارب فقدت آثاره في المحيط الأطلسي لأن الإعلام ركّز عليه. ويرى أن "معرفة فن التأثير على مخيلة الجماهير تعني معرفة فن حكمها" (ص42)
الجزء الثاني:
يرى لوبون خلفية دينية لكل قناعات الجماهير وفي رأيه تحمل قناعات الجماهير في فترات الانتفاضة السياسية خصائص العاطفة الدينية حتى لو لم تكن في ظاهرها دينية: عبادة إنسان خارق، الهيبة إزاء القوى التي تعزى إليه، الخضوع الأعمى لأوامره، استحالة مناقشة عقائده، الميل إلى معاداة رافضي تلك العقائد. وعنده أن التعصب وعدم التسامح يشكلان المرافق الطبيعي للعاطفة الدينية، والتعصب الديني حتمي لا بد منه حتى لو انتقل المرء من الدين إلى الإلحاد، ولوبون يذكر مثال دستويفسكي الذي كان متديناً ثم نبذ الدين وكسر صور القديسين وأطفأ الشموع الموقدة أمامها، ولكنه وضع بدلاً منها كتب الفلاسفة الملحدين وأعاد إشعال الشموع أمامها! (ص45).
ويناقش لوبون العوامل العميقة المشكلة لعقائد الجماهير وهي عنده: أ- العرق، والبيئة والظروف لا تمارس إلا تأثيراً مؤقتاً إذا كانت من طبيعة مضادة للعرق. ب- التقاليد الموروثة، وهذه أيضاً متحدة مع العوامل العرقية. ولا يوضح المؤلف موقفاً من هذا الرأي لكن يبدو أنه يريد إعادة استخدام هذا الافتراض لصالح نوع من "نزعة تأصيلية" فهو يقول: "القائد الحقيقي هو ذلك الذي يتفهم التقاليد الأصيلة للأمة حتى يستطيع قيادتها وفقاً لذاتها الثقافية فلا يعاكس روحها" (ص49). ويسعى الإنسان إلى خلق شبكة من التقاليد ثم يسعى إلى تدميرها عندما تكون قد استنفدت مخزونها المؤثر والإيجابي، وتكمن الصعوبة في إيجاد التوازن بين المحافظة والتغيير (ص50). ج- الزمن. د- المؤسسات السياسية والاجتماعية، ورهن التغيير بها وهم كبير: "المؤسسات والحكومات تنتج عن طبيعة العرق، وبدلاً من أن تكون خلّاقة العصر فهي مخلوقته" (ص52). ولا يوضح المؤلف إن كان هذا حكماً على محاولة التغيير، ومع أنه يقول إن "المؤسسة التقليدية في البلاد الإسلامية تواجه مصيرها المحتوم سواء بضرورة إعادة صياغتها أو بفقدان دورها الاجتماعي"، ويضرب مثلاً مؤسسات الأزهر والزيتونة وحتى المجامع العالمية المرتهنة لأشكال قديمة، ولكنه يعود ليؤكد عدم جدوى محاولة تغيير المؤسسات "لأن الشعوب تبقى محكومة بخصائصها وطباعها" لذلك تزدهر الولايات المتحدة وتعيش أمريكا بشكل خامل رغم تشابه المؤسسات. (ص53). هـ- التربية والتعليم: تهتم مؤسسات التعليم بتطوير القدرات الذهنية دون اهتمام برفع المستوى الأخلاقي والعملي للفرد وهي تعدّ الطلاب فقط لتولي وظائف عامة وحين لا تستطيع توفيرها يتحول الخريجون إلى أعداء للدولة مثلما حصل في الحراك العربي برأي المؤلف (ص55).
العوامل المباشرة المشكلة لعقائد الجماهير برأي لوبون هي التالية: أ-الرموز: وهي ارتباط للكلمات بصور، فإن كرهت الجماهير الكلمات لكراهيتها للصور التي ترافقها لجأ رجل الدولة لتغيير الكلمات مع إبقاء المضمون مثل تغيير اسم الضريبة باسم المساهمة المالية! (ص59). ب- الأوهام: لا يمكن للبشر في رأي لوبون أن يعيشوا بلا أوهام ولذلك احتاج الفلاسفة والعلماء إلى خطباء وأدباء لتوصيل أفكارهم إلى الجماهير في قالب الأوهام التي تمنحهم الأمل! (ص 62). ج- التجربة: على الرغم من ذلك تبقى التجربة هي الوسيلة لزرع حقيقة في روح الجماهير، لكن لوبون يعود بعد تقرير ذلك للقول إن التجربة هي التي ستزيل أوهام بناء المجتمع على أساس العقل الخالص! (ص64). د- العقل: ويقول المؤلف إنه لا لزوم للحديث عنه بعد كل ما تقدم! ويضيف المؤلف أن الناس المنطقيين المعتادين على الحجج والبراهين يصابون بالدهشة عندما لا يلقى كلامهم صدى عند الجماهير لأن قيمة العقل ضعيفة ولا وزن لها يذكر في التأثير أو التوجيه! (ص65).
يرى لوبون أن الجماهير تحتاج إلى نبي، وحيث أنه لم يظهر نبي منذ مدة طويلة فإن العلم الآن سيقوم بهذا الدور! ويرى المؤلف أنه حيث أن المسيحية ينقصها البعد الزمني فقد اختارت الكنيسة العلمانية لتكون الوسيط الذي ينقل الروح الدينية إلى الحياة، ونجا الإسلام من هذا المصير لأن النص الديني هنا يتناول الشأن الدنيوي وهذا من معاني حفظه "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" (ص78).
ويرى المؤلف أن المؤسسات الدينية التي تحاول عبر التخصص إنشاء نوع من الكهنوت في الإسلام لا محل لها من الإعراب لأنه في النموذج القرآني تستحيل قيم العلم إلى معايير أخلاقية وعملية قبل كل شيء (ص78).
يبحث الناس بشكل غريزي عن زعيم، ومن مواصفات "الزعماء" أنهم ليسوا من رجال الفكر بل من رجال الممارسة، فرجل الفكر من صفاته الشك وهذه الصفة تتناقض مع صفة الزعيم التي هي اليقين الذي يعطيه قدرة تأثيرية عظيمة.
وعن وسائل التأثير في الجماهير التي يتبعها القادة يقول المؤلف إن القادة يعتمدون على "التأكيد والتكرار والعدوى"، وبالتكرار تكتسب الأفكار قوة الحقائق الإيمانية. ومن شروط العدوى في رأي المؤلف الوحدة العرقية والمذهبية بدليل أن الثورة الفرنسية انتشر تأثيرها في البلاد الكاثوليكية خلافاً للإنجليزية التي لم تؤثر لأنها بروتستنتية. ويعمّم على الثورة الإيرانية التي لم تنتقل عدواها خلافاً للانتفاضات العربية الجارية. (ص87).
ويرى لوبون أن الجماهير تتأثر بالنماذج والموديلات، على أن لا ينحرف النموذج كثيراً عن الأفكار الشائعة. وللهيبة الشخصية أهمية وهي نوعان ذاتية ومكتسبة والثانية أكثر شيوعاً ويفقد القائد هيبته الذاتية حين يضع أهدافاً أعلى مما ينبغي (ص91). تتغير عقائد الجماهير تغيراً محدوداً: يرى المؤلف أنه يصعب ترسيخ عقيدة دائمة في نفوس الجماهير ويسهل أن تنفذ إليها آراء عابرة.
ويخصص المؤلف فصلاً لتأثير الإعلام المفتوح: يرى لوبون أن الصحافة صارت مثل الملوك خاضعة للرأي العام الذي تفتت مما أصاب الإنسان الحديث باللامبالاة، ويرى المؤلف أن قوة الجماهير لا زالت موجودة وحين يتمكن رأي واحد من امتلاك الهيبة الكافية سينغلق عصر المناقشة الحرة لفترة طويلة (ص103).
وينقل المؤلف آراء لوبون في "تصنيف الجماهير" معيداً النظرية العرقية التي تشكل الأساس الذي يستند إليه في تفسيره لسلوك الجموع فيضرب مثلاً بالفروق بين "الجمهور اللاتيني" و"الجمهور الأنكلوسكسوني" فالأول يؤيد الوحدة المركزية ويطلب تدخل الدولة على حين يميل الثاني إلى المبادرة الخاصة.
يخصص المؤلف فصولاً من كتابه للحديث عن "صناعة القرار" ويبحث في صناعة القرار في الهيئات الرسمية والمجالس المنتخبة والمجالس الاستشارية، والهيئات الرسمية عنده لا تختلف في إصدارها للأحكام عن الجماهير غير المنظمة، ومن ذلك هيئة المحلفين التي تظل متأثرة بعواطفها وتتأثر بالهيبة والحظوة الشخصية، وفي المجالس المنتخبة يتملق المرشح الجماهير ثم تمارس الطرق المعتادة التي رأيناها في حالة الجموع مثل الرد على المحاججات المنطقية بالعنف.
يعود لوبون إلى فرضية العرق عند الحديث عن التصويت العام في الأنظمة الديمقراطية، إذ هو سيظل معبراً عن آمال العرق وحاجياته اللاواعية (ص126). ورغم مشاكلها يحتفظ لوبون بتقدير للمجالس النيابية التي يراها أفضل ما توصلت إليه الشعوب لحكم ذاتها، ولكنه يرى أنها تواجه خطرين جديين: أ- تبذير الميزانية بالانصياع للجماهير التي تريد تقديم سن التقاعد أو رفع الأجور! ب- التقييد التدريجي للحريات الفردية ولو عن غير قصد لأن كثرة التشريعات تقود إلى تقليص الدائرة التي لا تخضع للتقنين! (ص132).
في نهاية الكتاب يذكر المؤلف رأي لوبون القائل إن التغيرات الكبرى سببها الحقيقي تغير يصيب أفكار الشعوب، والأساس اللامرئي يتمثل في تصدع منظومات العقائد الدينية والسياسية والاجتماعية والتشكل العفوي لشروط جديدة على مستوى الفكر ومستوى الواقع (ص138). ويتنبأ بأن "آخر سيادة تظهر في العصر الحديث هي قوة الجماهير وجبروتها" (138). ويوافق المؤلف على هذا الرأي ويقول إن ثقة الجماهير بذاتها صارت هي العقيدة الجديدة التي يتمتع بها المواطن في أوروبا قديماً وفي بعض مجتمعات شمال أفريقيا وبلاد الشام والجزيرة العربية. لكن المؤلف كما يبدو لا يحسم رأيه في اتجاه واضح في موضوع العلاقة بين الجماهير والعقل: "إن نفسية الجماهير تبين لنا إلى أي مدى يكون تأثير القوانين والمؤسسات ضعيف جداً، وهو ضعف لا يترك أي أثر على الطبيعة الغرائزية العنيفة التي تتسم بها الجماهير، كما أنها عاجزة عن تشكيل أي رأي شخصي خاص بها، فكل آراؤها إنما تلقن لها تلقينا أو يوحى بها إليها من قبل الآخرين، ووحدها الانطباعات التي يتم توليدها في روحها يمكن أن تجذبها" (ص 147).
يبحث الكتاب في مسألة على درجة عالية من الأهمية في عصرنا هذا الذي شهدت فيه بلادنا أعظم حركات جماهيرية في تاريخها الحديث وهي مسألة القوانين التي تسيّر حركة الجموع، وهو جدير بالقراءة لا للموافقة على الآراء الواردة فيه بالضرورة، بل للنقد الموضوعي ولتطوير المقاربة المنهجية للموضوع.
محمد شاويش – برلين
نشر أول مرة في موقع السورية نت. الرابط https://www.alsouria.net/content/%D9%84%D8%A7-%D9%85%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7%D9%87%D9%8A%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D9%84%D8%9F