المقولة الثانية التي دخلت طوري الشك والتحقق بعد مقولة (أنا افكر إذن موجود) لديكارت(*) هي مقولة (التربية خاصية إنسانية) لكانط، وخلافا لكتبة الثلاث التي شكلت عماد “فلسفة العقل” عنده، فإن المعلوم أن آخر أعمال كانط محاضراته في الانتروبولوجيا النظرية (لم تنقل إلى العربية) التي وضع فيها تصوره حول نمو الإنسان الفرد وعيا وسلوكا، وفي ذلك وضع مقولته “التربية خاصية إنسانية” وهي المقولة التي تشكل الأساس المعرفي للمراجعات الجارية في علم نفس النمو/علم النفس الثقافي.
إذ نجد ذلك بشكل صريح في أعمال منسق الأبحاث في السيكولوجيا التطورية بمعهد ماكس بلانك ميشال توماسيللو، فقد جاءت أعماله على خطى كانط بثلاثية (غير منقولة إلى العربية) لا يستغنى عنها للمشتغلين بالعلوم الاجتماعية 1- التاريخ الطبيعي للتفكير البشري، 2- التاريخ الطبيعي للأخلاق البشرية، 3- أن تصبح إنسانا: نظرية في التكوينية المزدوجة الجسدية والنفسية للإنسان. والمقدمة لكل ذلك والتي هي محاكاة تجديدية لأنتروبولوجيا كانط، كتابه الأول السابق للثلاث الأول المنقول للعربية: الأصول الثقافية للمعرفة البشرية.
وفحوى تلك المراجعات متعلق أساسا بالتحرر من مسلمة التميز الإنساني، وإعادة استكشاف التشابهات والتشابكات بين العالمين الإنساني والحيواني، والأخير بمختلف تنويعاته وتدرجاته، ويعتمد في ذلك أساسا الإيثولوجيا، علم ملاحظة سلوك الحيوان في موائلها الطبيعية، وهذا منحى علمي مهم جدا في التحقق من مسلمات ديكارت وكانط حول فُرادة الإنسان، وهو ما سيؤدي بالتأكيد إلى إعادة تأسيس مقولات التميز الإنساني على أسس تجريبية ونظرية أكثر صلابة من الناحية العلمية، وعلى أساسها يتأسس أيضا الكدح العلمي والمعرفي في إعادة تأسيس جذرية للدراسة السببية للسلوك البشري والفعل الإنساني.
د. محمد عبدالنور
(*)- في مقدمة المراجعين للمقولة أنطونيو داماسيو في (الشعور بما يحدث) (وخطأ ديكارت)، وقد بينت بعض أبعاد اجتهادات داماسيو وغيره في مقال “عن التنوير الجاري راهنا”، https://bit.ly/3NrUYZn