أسئلة الفكر وأجوبتها (3)

أسئلة وأجوبة هذه الحلقة تتمحور حول الدور الممكن لكل من الفنون والفلسفة الشذرية في قيام الحضارة، ومعنى اللاسببية ومكانة السببية في الفكر الظواهري، وكذا مدلول القول بالتقابل بين الذات والعالم في المنطق الأرسطي، ومفهومي الكلي والجزئي في علاقتهما بالوعي والإرادة، ومكانة الحقائق الخارجة عن الخبرة ودور المنطق فيها ومكانة المنطق في فلسفة العلم المعاصرة، وكيف تتقابل النظرية العلمية مع الحدس الذاتي، ثم نعرج إلى علاقة النص القرآني بالتفسير والتأويل والنظرية العلمية، وكيف أن الفنون يمكن أن تكون بديلا عن الشعور الديني، ولماذا التحفظ على التفسيرات الميكانيكية للطبيعة حتى وإن اعترفت بالتأمل…

السؤال: هل يَعِد الفكر الشذري بتحرير المكبوتات -وذلك بالعصف الذهني للأفكار- تمهيدا للمرحلة الثانية بإضفاء معنى لهذه الأفكار عن طريق البعد التأملي؟

الجواب: لعل الربط لم يكن سليما بين فكرتي (تحرير الأنفس) و(الفكر الشذري)، فقصدي أن تحرير الدواخل النفسية يمكن أن يحصل عن طريق التفريغ الحر من خلال قرض الشعر والنثر وكذا الفنون بدون أي قيود -كما تبين في محاضرة ومقال الحل الظاهراتي-، أما فلسفة الشذرات فتعبير عن حالة فلسفية متفلتة من القيود تقوم بتوظيف البعد الشاعري لكنها في النهاية ليست هي التي عنيت بأنها كفيلة بتخليص النفس-الاجتماعية من ميراث القرون.

لكن وعلى ذلك، فإذا اعتبرنا أن نيتشة هو الذي استعاد وأحيا هذا الفن الشذري في العصر الحديث بوصفه التماهي الصادق مع الوضع الفلسفي الذي دخل في حالة انسداد كما بين ذلك هوسرل في كتاب أزمة العلوم الأوروبية، وباعتباره (أقصد نيتشه) نبي حالة ما بعدالحضارة في الغرب، فإنه لا مانع من أن يكون الفكر الشذري حالة فلسفية لوضع ماقبل حضاري يتهيأ للتوثب الفلسفي وبناء الأنساق العلمية، وبه فالنتيجة هو أن الخطاب الشذري خطاب واع بالعصر أما النزعة الشاعرية (الرومانطيقية) فلا تشترط الوعي بل هي حالة ما قبل الوعي للدخول في الوعي بعد التخلّص من ميراث القرون.

السؤال: هل مفهوم (العالم اللاسببي الذي لا ينفي وجود معالم نظام ممكن ذي معالم عامة) هو كون جزئيات الوجود منتظمة فيما بينها لتعطي لنا رابط كلي مما يستدعي حضور الوعي بإضفاء معنى عليها لإدراك الرابط الكلي، أي أن الموجود خاضع لنظام يستدعي حضور الوعي (التفسير اللاسببي) لفهمه؟

الجواب: إن وعي العالم هو القدرة على عقلنته، والعقلنة هنا هي الخروج من عالم الغموض إلى عالم الوضوح، ولا يمكن أن نتصور وضوحا دون تصورات محددة ينجزها العقل، وتلك التصورات هي بناء نسق من الأسباب والنتائج، ومن ثم فإن الفارق الجوهري بين السببي واللاسببي لا يكمن في أن اللاسببي ينفي الأسباب جملة بل لأنه يسعى لإدراك الأسباب في الوجود بعد حدوث الحوادث، أعني أنه مثلا لا ينتظر أن يصل إلى النتائج بنهاية بحوثه العلمية التي يستعمل فيها الإدراك السببي، فهو يستعمل البحث فقط للوصول إلى استكشاف مفارقات الواقع في النهاية، إذ أن البحث الحقيقي يبدأ بعد استكشاف الواقع ليس بآليات تقنية لا تفيد إلا في التشخيص السببي القبلي لكن بآليات ذهنية تفيد في معرفة الأسباب بشكل بعدي حدسي وتخميني مبدع، أعني أنه مستند إلى معرفة حقيقية بالواقع، وهذا يُخرِج البحث العلمي خاصة في ميدان العلوم الاجتماعية من الانسدادات الحاصلة بفعل “التوقف عند بلوغ البداية” أعني أن نهاية عمل التقنيات البرانية هو بداية عمل العقل في فهم الواقع.

السؤال: كيف يمكن البرهان على أن المنطق الأرسطي يقابل بين الذات والعالم؟

الجواب: المنطق الأرسطي إذا أخذناه مثلا في مبادئ المنطق الثلاثة نجد أنه يقوم بتحديد مسبق للحقيقة، ومجرد اعتبار أن الحقيقة تقوم على شكل عقلي محدد آنفا هو ضرب من ضروب المقابلة بين الذات والعالم، أي أن الذات هنا تصوغ مبادئ العلم واليقين بالعالم حتى قبل معرفتها به، وهذا يقولب رؤيتها للعالم ويمنعها من رؤية ما يمكن أن ينفلت من هذه المبادئ، ونفس الأمر يقال للاعتقاد السائد بأن العالم هو كله أسباب ونتائج، أعني سببية صارمة، وهذا الذي تعترض عليه الظواهرية من أن إدراك الذات للعالم إدراك بعدي وليس قبلي، ومن ثم فإن الأسباب هنا تأتي كجزئية صغيرة في بحر الإدراك التأملي، ومن ثم فإن الإدراك اللاسببي هو عقلنة بعدية للعالم وحوادثه، وأن العقلنة القبلية إذا سلمنا بها تكون عقلنة جزئية وافتراضية عليها أن تتوقع أن العالم وحوادثه يمكن أن تأتي على غير المتوقع.

وهنا تحديدا يأتي حل أبو يعرب المزروقي الذي أضاف بعدين للمنطق الثلاثي وهما التحقيق والترجيح، إذ الخلاصة أن المبدآن هما بعديان على خلاف المبادئ الثلاث المتقدمة التي هي قبلية، فلا يمكن إجراء التحقيق والترجيح إلا بعد تمام العالم وحوادثه.

السؤال: هل يتحقق الوعي بفهم الرابط الكلي أم بإرادة الربط؟ و ماذا عن الأشياء التي هي خارج خبرة الانسان؟

الجواب: بالنسبة للشق الأول طبعا مترابطان فالفهم لا يحصل إلا بإرادة الفهم، لكن المبدأ هو الإرادة طبعا، وتلك الإرادة تعبير عن حدس يقضي بالتطلع إلى الفهم، أعني وجود دوافع هي غير مملوكة للجميع وهي لا تنوجد إلا عند من حصّلوا اليقين التام بعمق الإشكالية التاريخية الراهنة لأي جيل (التي هي إنسانية عامة لكنها تتجلى في أوضاع تاريخية)، وتحصيل هذا اليقين يكون بفضل الثقة التامة في الحدوس الذاتية وليس من مجرد أخبار خارجية أيا كانت بما فيها الكتب والبحوث العلمية، إذ لا تكون الأخبار الخارجية ذات فائدة إلا إذا سُبقت بحدس ذاتي الذي يتلخّص في سؤال علمي، فلا نبوة بعدي يقول النبي صلى الله عليه وسلم، ومنه أن العلماء ورثة الأنبياء، فالأمر متعلّق بضرب من السمو ومجافاة الإخلاد إلى الأرض.

وهنا تحديدا نصل إلى العلامة المميزة بين الإدراكين الديني والعلمي، إذ الأول قائم وحي ظاهر يأتي على الأنبياء كبداية وكغاية والوصل بينهما يكون بمحض التسديد والعناية الإلهيين، والثاني أيضا يأتي كبداية حدسا وينتهي إدراكا واعيا لكن المسار بين البداية والغاية يتحقق بفضل “منطق” يحكم المسار (نظريا) والمسير (عمليا)، بوصفه الآلة الضرورية المفارقة لآلية الوحي المسدّد.

والفارق الثاني هو أن المنطق الواصل بين الحدس الخفي والإدراك التام لا يكون ناجزا فهو خاضع لمراحل الإدراك الإنساني التاريخية، والمعلوم أن المنطق علم يشهد ويعرف تحولات وإن لم تكن متسارعة إلا أنها ثابتة ومؤكدة، ولا وصاية على المنطق إلا بشرط إدراك المرحلة التي بلغ إليها وهذا الشرط هو الضامن للاجتهاد وبلوغ مرحلة التنظير (أنظر محاضرتي ومقالي: تشكيل الظاهرة العلمية).

وبه فإن تعبيد المسير من الحدس إلى الوعي العلمي التام يحصل بفضل إتقان العلم الآلة الأول وهو المنطق، فهو الجهاز الخفي في كل العلوم، وكلما سار المنطق الفردي مسارات في إدراكه وإدراك كيفيات حضوره الجلي في ظاهر الأعمال النظرية (الإنتاج الفكري) والأعمال العملية (الكسب السلوكي) تعدّل علمه وعمله وصار أكثر إبصارا تماما كما يهدي المنطق الديني إلى ذلك بالتزكية والبركة في الأعمال.

ولا أجد أن معضلة “الأشياء خارج خبرة الإنسان” ستطول مادمنا أدركنا أن المنطق هو الكفيل ببلوغ الحقيقة مادامت الوصاية عليه شرط كوني لا شرط قومي، فيكفي أن نعلم أن دلالة المنطق نفسه بوصفه محاولة متقدّمة لتجاوز المجال الخبروي إلى ما لم يختبر بعد، وأعتقد أن التطورات الحاصلة في فلسفة العلوم والعلوم الأدوات (المنطق والرياضيات) منذ كانط مرورا براسل وانتهاء إلى كواين والحبل على الجرار، إذ يكفي هنا أن نطلع على التحولات التي حصلت في موضوع محاولة استتباع الرياضيات إلى المنطق وتصيير المنطق مرجعا أخيرا لكل العلوم وأنها محاولة من العقل البشري لتحقيق التوحيد بين النظر والعمل الذي هو الغاية النهائية من الدين (أنظر البعد المنطقي في المذهب البراغماتي).

السؤال: ألا يمكن اعتبار النظرية العلمية موجه لإدراك الحقيقة و محفز للتـأمل الذاتي – بغض النظر على مدى صحتها و فاعليتها-؟

الجواب: فعلا، فالنظرية العلمية لا يمكن أن تكون كذلك إلا إذا كان منطلقها الحافز الحدسي الذاتي الذي يجعلها في الأخير نظرية علمية قائمة الأركان، فليس موضوعنا هنا مناقشة أهمية النظرية العلمية بقدر ما يجب التنبيه إلى أنه وفي الأخير توجد حقيقة مقابلة لها، أعني أن النظرية العلمية وبعد تمامها تصبح كائنا علميا مستقلا عن الوجود فضلا عن استقلالها عن منتجها ومستهلكها أيضا، ففي هذه الدرجة تصبح النظرية العلمية مقابلة للحدس الذاتي بما هو قدرة الباحث على التخلي عن أفكار مسبقة، (وطبيعي هنا أن تكون النظرية العلمية بعد تمامها معرفة مسبقة خاصة إذا تطاول عليها الزمن)، ولعل هذه القدرة هي ذاتها التي يعنيها هوسرل بحديثه عن الصرامة والدقة في الفكر، إذ من غير الممكن تصور دقة وصرامة من غير القدرة على العودة كل مرة إلى بدايات الأشياء وأصولها بما هو تمحيص دائم.

وما دامت الإشارة إلى صحة النظرية وصوابها قد حصلت فيطيب لي أولا أن أميز بين صحة وخطأ مبدئيين أعني إمكان أن تكون النظرية خاطئة منذ نشأتها وبين أن تفقد النظرية صحتها (صلاحيتها) بفعل تقادم الزمن، وثانيا أن النظرية تقوم على مسلّمات أو مبرهنات (Théorème) باللغة الهندسية،  وذلك ما يقابل البديهيات بما هي معطى حدسي تأسيسي هو المطلوب منا أن نعود إليه كل مرة لتحقيق الدقة والصرامة في الفكر، لذلك كان على الباحث أن يميز بالضرورة في تكوينه بين ما هو مسلمات في العلم من قبيل المفاهيم والمبرهنات وبين ما هو بديهيات هي الأقرب إلى الواقع الوجودي وأقرب إلى السلامة النظرية، فإذا كانت الأولى تحتاج إلى تدريب أكاديمي معقّم داخل قاعات الدرس فإن الثاني وجودي يحتاج إلى جهد فردي مستقل، الجهاد الأصغر بما هو محاولة للخروج من الحالة الثقافية المعطاة إلى حالة من الإطلاق المتفلت من الحدود الثقافية والاجتماعية والسياسية بما هو محاولة لتجاوز الذات.

السؤال: في هامش نصك عن لا تاريخية القرآن ذكرت أن – الأمر سيحتاج إلى نظرية متممة للرأي – لكن كون النظرية في حد ذاتها تنطلق من الشك إلى الاثبات أو الدحض أما النص القرآني غير ذلك، وأن النظرية لا تصلح دائما فلا يمكن أن نتمم بها معنى أو قضية، وإن كان ذلك لتغير المعنى وغاب المعنى الكوني.

الجواب: سؤالك هذا ينقض حقيقة ثم يثبتها في ذات الوقت! فكيف نقول بأن القرآن ثابت أمام النظرية ثم نبحث عن نظرية ثابتة عن القرآن؟

لعلاج هذا المشكل الذهني لابد من التسليم بأن أي نص مهما كان لا يمكن له أن يقدّم فهما نهائيا للقرآن، وأن أي محاولة فهم أو تفسير تبقى محاولة تاريخية في الزمان المكان يمكن أن تكون خاطئة من البداية كما يمكن أن تكون صحيحة ثم تتقادم عبر الزمن، إنما فقد الإنسان يحاول أن يصل إلى أكثر الأفهام ثباتا واستمرارا عبر الزمن، وهذا من حقه، ويمكن القول أن المنافسة على تقديم أكثر الأفهام ثباتا هي تسابق على الخيرات وهي من جهة أخرى تعبير عن سعي محمود في ملامسة المطلق دون الاعتقاد بإمكان بلوغه، ومع التسليم بأن هذا لن يحصل إلا باستيعاب تام لحركة الفكر البشري بوصفه المدخل إلى الاجتهاد في النص القرآني راهنا، والمقصود بحركة الفكر ليس مجرد فهم النظريات العلمية بقدر ما هو وعي بالدرجة التي بلغها الإنسان في صياغة وصناعة آليات التفكير (المنطق) بما هي أدوات يمكن توظيفها، وطبعا هنا لابد أن نسأل عن مصدر صناعة المنطق وأنه لا يتعلق بثقافة معينة بقدر ما هو تعبير عن محاولات تجاوز النسبية إلى الإطلاق وأنها أيضا من جهة أخرى لابد أن تتحرر من الاعتقاد بإمكانية بلوغ المطلق فيها.

بالنسبة لتتميم المعنى لابد هنا من القول بإمكان تمام المعنى عند الإنسان، والذي هو الوصول إلى نتائج محددة تصل عند أصحابها الذين توصلوا إليها والمعتقدين بها  إلى حد اليقين المطلق الذي ليس هو إلا الاعتقاد، وهذه وجهة النظر البرغماتية التي ترى بأنه من غير الممكن بناء المعرفة الإنسانية وإنجاز الإنسان لسلوكاته من دون اعتقاد، فالبحث إذن ومنه النظرية العلمية عامل مساعد على تثبيت الاعتقاد لكنها ليست هي الاعتقاد فالاعتقاد ذاك هو بمثابة الروح التي تعمل النظرية العلمية -ومنه تفسير النص الديني الذي يمكن أن نصل إليه- على السمو به كل مرّة، ولا أعلم إن كنت سأصل هنا إلى حد القول بأن مستويات الروح تختلف من إنسان لآخر وأن بين المستويات عُقد كلما انحلّت عقدة ارتقينا إلى العقدة العليا وهكذا إلى ما لانهاية في مسارات الروح سموا إلى الأعلى، إذ هنا يحصل الجدل بين الاعتقاد الثابت والعلم المتغير، فيكون العلم مساعدا على التقدّم الروحي ولئلا يتحول هو والنظرية العلمية إلى حائل دون التقدم عندما تتحول إلى عقيدة جامدة.

والمحصلة أن تمام المعنى للحظة معينة سيتلى بلحظة أخرى تشي بنقصه أو تهافته وهكذا في عملية مستمرة من التصحيحات الذاتية للتصورات حتى تبلغ النهايات التي هي ضرب من الإدراك يبلغ فيه الفرد استيعاب ما تحقق من المعرفة البشرية، حيث الغاية هي التسامي غير المنقطع عن الشعور بالمسؤولية الأخلاقية تجاه هذا العالم، فهو يوظف ذلك التسامي لإصلاح العالم، حيث المفارقة أنه كلما ازداد السمو (الأخلاقي-المنطقي) كلما اكتشفنا واتضحت أمامنا مفارقات العالم الإنساني.

السؤال: لماذا ضعف حجم المبادرة للتّعليم الديني؟ هل طغت القيم الماديّة على القيم الرّوحيّة “تمثيل دور النّبي”؟ وما السّبيل إلى إحياء هذه القيم و التي هي أساس و قرار الإنسان الأزلي “التّجارة الغيبيّة”؟

لما نعلم أن الفنون يمكن أن تكون بديلا فعليا عن الحياة الدينية يمكن أن نفهم عمق المشكل، فمهما طغت القيم المادية فإن الإنسان مجبول على التغذية الروحية وهو ما يبدو أنه يجد عوضا له في الفنون، على أن الفنون ليس في واقع الأمر إلا تعبيرا روحيا وبه فإن المعنى هنا أن الخطاب الديني في مجمله (وعظا أو تعليما) عليه أن يقف وقفة مراجعة في الأمر، ولما نعلم أن الفنون ليس لها أهمية ذات بال داخل مجتمعاتنا فيعني ذلك أنها تستهلك فنونا وافدة في الغالب وبطريقة هامشية واختلاسية.

السؤال: أعتقد أنه لا بد من التفكير العميق في آليات التفكير والاستدلال، فالتجربة المعاشة هي حقا ضرورية للفهم وإضفاء المعنى ولكن يبقى العقل هو المعمل إن صح التعبير الذي يستثمر في هذه التجربة للوصول إلى الفهم. فللتجربة المعاشة جزء واع وآخر لاواع، عامل الفجائية في إضفاء المعنى على ظاهرة الاجتماعية هو لحظة تغلب الشق الأيمن في نشاط العقل على الأيسر، ولحظة انتقال المعلومات من اللاوعي إلى الوعي، فيبدو أن الفهم كان نتيجة للتأمل، بل هو في الحقيقة ليس سوى نتيجة تكامل عمليات عقلية، …، خلاصة القول إن كنا نرى قصور التفكير السببي في تفسير الظاهرة الاجتماعية فسنقع في نفس المأزق إن اعتمدنا على التأمل في تفسيرها.

الجواب: لابد من إيضاح السبب في تحفظي على هذا التفسير الميكانيكي لعمل الدماغ، فهو أولا متعلق بالبايولوجيا التي تختلف ابستمولوجيا مع السوسيولوجيا، ومن جهة أخرى لابد من التذكير –وهو ما قد أشرت إليه مقدّما- بأن الظواهرية لا ترفض السببية لكنها أعادة صياغة مكانتها إذ جعلتها بعدية بعد أن كانت قبلية، لذلك فهي تعطي تعريف جديد للعقل وهو أن عملية التعقل لا تقوم على منطق جامد معلوم المقدمات بل إلى منطق حيوي لا يتدخل إلى بعد تحقق الحوادث في العالم الفعلي لتفهمها، ونقطة أخيرة هي أن السببية تعد لحظة في الفكر الظاهراتي وهي جزء منه ومتضمنة فيه، بعكس المذهب الوضعي الذي يقصي أي احتمال للفجائية اللاسببية.

داخل أسئلة الفكر وأجوبتها
أبريل 2025
د ن ث أرب خ ج س
 12345
6789101112
13141516171819
20212223242526
27282930  

الأرشيف

إحصائيات الموقع

166898
اليوم : 8
الأمس : 128
هذا الشهر : 4074
هذا العام : 15610
مشاهدات اليوم : 8
مجموع المشاهدات : 505504
المتواجدون الآن : 2